ماذا بعد الإضراب العام؟!

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
ماذا بعد الإضراب العام؟!, اليوم الجمعة 7 فبراير 2025 05:25 مساءً

في سياق تصاعد موجة الاستياء الشعبي العارم بسبب ارتفاع معدلات البطالة والتضخم وما باتت تعرفه المواد الأساسية والواسعة الاستهلاك من ارتفاع قياسي غير مسبوق وتدهور القدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والمتوسطة على حد سواء، واحتجاجا على سياسات الحكومة وتماديها في تمرير مشاريع القوانين بالاعتماد فقط على أغلبيتها خارج أي منهجية للحوار الجاد والتفاوض المسؤول للوصول إلى توافق، ولاسيما بعد أن صادق مجلس النواب بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب.

      لم تجد النقابات من سبيل لمواجهة استفراد الحكومة بقراراتها عدا اللجوء إلى إضراب وطني عام، إذ أعلنت خمس منظمات نقابية وبعض التنظيمات العمالية في ندوة صحافية مشتركة عن عزمها خوض إضراب إنذاري عام خلال يومي 5 و6 فبراير 2025. ويعد هذا الإضراب الإنذاري الذي دعت إليه نقابة الاتحاد المغربي للشغل في القطاعين العام والخاص، وانضمت إليها كل من نقابات الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب والكونفدرالية الديمقراطية للشغل والمنظمة الديمقراطية للشغل وفيدرالية النقابات الديمقراطية، هو الأول من نوعه منذ عقوق مضت، معتبرة أنه قانون تكبيلي مجحف وضد إرادة الشغيلة المغربية.

      فلا يخفى على أحد اليوم أن الإضراب العام ليس بالحدث الاعتيادي في المشهد السياسي والاجتماعي، بل هو حدث يتسبب في حدوث شلل شبه تام في جميع القطاعات الاقتصادية والخدماتية، حيث يتعطل العمل في عديد الشركات والمؤسسات التعليمية والاستشفائية والمحاكم وكافة الإدارات وغيرها. وقد جاء كرد فعل جماعي واسع النطاق عن تجاهل الحكومة لمطالب المركزيات النقابية، وللتعبير كذلك عما بات يختلج صدور الشغيلة المغربية وجميع المواطنات والمواطنين من سخط وغضب عن تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. إذ تعتبر المنظمات النقابية والحقوقية ومختلف فعاليات المجتمع المدني أن الإضراب هو السلاح الوحيد الذي يمكن لها الاستعانة به في الدفاع عن مختلف الحقوق وضمان العدالة الاجتماعية والحرية والعيش الكريم، والضغط على الحكومة من أجل تلبية مطالبها المشروعة، خاصة إذا علمنا أن القانون التنظيمي المزعوم، لن يعمل سوى على رهن مستقبل الأجيال الصاعدة في أيدي أرباب العمل، ويعرضها لمزيد من الظلم والقهر والإذعان...

      ويشار في هذا السياق إلى أن مجلس النواب صادق في قراءة ثانية خلال الجلسة التشريعية التي انعقدت بتزامن مع اليوم الأول من الإضراب يوم الأربعاء 5 فبراير 2025 على مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15، حيث حظي بموافقة 84 نائبا فيما عارضة 20 نائبا، دون تسجيل أي امتناع عن التصويت. وبناء على ذلك سارع وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات في كلمة له، يونس السكوري إلى استعراض أهم الأشواط التي قطعها مشروع القانون المثير للجدل، وما خضع له من مناقشات موسعة مع الفرقاء الاجتماعيين وداخل مجلسي البرلمان، مبرزا بعض المقتضيات "المهمة والجوهرية" التي تضمنها، ومنها على سبيل المثال تضمين الحقوق غير المباشرة في المادة الأولى من ذات القانون، التي تنص على أنه " إذا كان هناك تنازع بين المقتضيات التشريعية في إطار التشريع الجاري به العمل، فإن الأفضلية والأسبقية تعطى للشغيلة والمنظمات النقابية".

      وخلافا لما تدعيه الحكومة في شخص وزير التشغيل من كون نسبة المشاركة في الإضراب العام لم تتجاوز 1,4 في المائة بالقطاع الخاص و32 في المائة بالقطاع العام، تؤكد المركزيات أنه حقق نسبة نجاح فاقت 80 في المائة على الصعيد الوطني، إثر متابعتها لما لقيه من تجاوب تلقائي وانخراط واسع للشغيلة المغربية، والتضامن الكبير للأطر الحزبية والمدنية والحقوقية، المؤمنة بما لقرار الإضراب من بالغ الأهمية في ظل هذه الظروف الاستثنائية، دفاعا عن أهم الحقوق والمكتسبات التاريخية للطبقة العاملة، واحتجاجا كذلك على الوضع الاجتماعي المأزوم، جراء مسلسل غلاء الأسعار المتواصل وتدني مستوى القدرة الشرائية لفئات وشرائح اجتماعية واسعة، فضلا عن ارتفاع معدلات البطالة والتضييق على الحريات النقابية وتكبيل حق الإضراب المضمون دستوريا والمكفول بالمواثيق الدولية...

      ودون الدخول في متاهات نحن في غنى عنها من قبيل ما أقدم عليه رشيد الطالبي العلمي رئيس مجلس النواب مساء يوم الثلاثاء 4 فبراير 2025 خلال اجتماع لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب، المخصص للتصويت على مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 من هجوم عنيف وغير مبرر على المنسحبين من التصويت على قانون الإضراب في مجلس المستشارين، واصفا إياهم بالخونة، بدعوى أن النواب البرلمانيين يمثلون الأمة ويمثلون السيادة الوطنية داخل المؤسسة التشريعية. ولا لما يترتب عن الإضراب العام من كلفة ثقيلة على الاقتصاد الوطني ومصالح المواطنين.

      فإننا نتساءل حول ما إذا كانت الحكومة ستستخلص العبرة وتعود إلى جادة الصواب فيما تبقى من عمرها، أم ستدفع بالنقابات إلى مزيد من الإضرابات؟ وإلى ذلك الحين نرفض بقوة استمرارها في سياستها تجاه عديد القضايا الشعبية، وسباقها المحموم لتمرير مشاريع القوانين بشكل انفرادي، كما هو الحال بالنسبة لمشروع قانون الإضراب، الذي لم تكن تسعى من خلاله إلى تنظيم الإضراب، حفاظا على استمرارية الإنتاج في ظروف طبيعية كما تدعي، بقدر ما كان هدفها استكمال ما بدأه رئيس الحكومة الأسبق عبد الإله ابن كيران من إجهاز على المكتسبات، بإفراغ الإضراب من مضمونه والحد من فعاليته، باعتباره حقا مشروعا ووسيلة للاحتجاج السلمي، وفق ما ينص عليه دستور البلاد دون شروط ولا أغلال. 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق