بعض من ملامح سوريا الجديدة.. ماذا في السياسة والأمن والاقتصاد؟

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
بعض من ملامح سوريا الجديدة.. ماذا في السياسة والأمن والاقتصاد؟, اليوم الأربعاء 5 فبراير 2025 05:10 مساءً

أحمد فرحات

حفلت الساحة السورية خلال الأسابيع الماضية بالكثير من الأحداث السياسية في الداخل كما في الخارج، خاصةً لجهة انقشاع الضباب جزئياً عن ملامح سوريا المستقبلية والعلاقات الخارجية التي باشرتها الإدارة الحالية وآلية اتخاذ القرارات الداخلية وانعكاساتها على مجمل الأوضاع في البلاد.

ولآلية اتخاذ القرارات في سوريا محددات داخلية وخارجية وارتباط بموقعها الجغرافي. على المستوى الداخلي، يبقى انسجام الفصائل المكونة للنظام الجديد حجر الأساس في تحقيق الاستقرار الأمني من عدمه، في حين أن علاقات الإدارة الجديدة مع دول الإقليم تنعكس حكماً على السياسة الخارجية. كما أن موقع البلاد الجغرافي على حدود خمس دول أساسية يفرض معطيات يصعُب التغاضي عنها: (تركيا من الشمال، العراق من الشرق، الأردن من الجنوب، ولبنان والبحر المتوسط وفلسطين المحتلة من الغرب).

داخلياً، تحاول الإدارة الجديدة للبلاد بقيادة أحمد الشرع “أبو محمد الجولاني” استيعاب التناقضات الفكرية والسياسية وتنوع الأهداف والرؤى للجماعات المكونة للسلطة الجديدة. وهي تمثل العصب الأساسي لضمان انتظام عمل مؤسسات الدولة الإدارية، وكذلك العسكرية والأمنية. يدرك الجولاني هذا الأمر جيداً، وهو بالتالي عمد إلى جمع أكبر عدد من الفصائل تحت عباءته كرئيس للبلاد، وهذا ما بدا خلال “مؤتمر إعلان انتصار الثورة السورية” والذي انتهى الى تنصيبه “رئيساً للجمهورية”.

ولعل حل الجيش السوري ودمج الفصائل تحت قيادة وزارة الدفاع يأتي ضمن هذا التوجه. غير أن غياب الآليات التنفيذية يضع هذا المسعى أمام عراقيل تتعلق بتوزع المناصب والصلاحيات، وما تم الإعلان عنه من الاعتماد على قادة الفصائل السابقة والمنشقين ليس سوى استنساخ لتجربة إدلب، بحسب ما أشار الشرع في مقابلته الأخيرة مع إحدى .

لم يأتِ الشرع على ذكر العقيدة القتالية للجيش السوري الجديد، سوى أنه سيكون “مؤسسة عسكرية احترافية بعيدة عن الولاءات الشخصية أو العائلية”. وتحدث أيضاً عن “وطنية الجيش” دون أن يوضح مبادئ الأمن القومي السوري الجديدة.

تتجه سوريا لإنتاج نظام سياسي يعتمد على المركزية، فهو نظام رئاسي، كما الحال في النظام السابق. وفي هذ الإطار، تنحصر التعيينات في المناصب الأساسية ضمن دائرة المقربين من الجولاني. وهو قد كَلّف سابقاً مجموعة من الأشخاص بالقيام بمهام وزارية، وكانوا في السابق ضمن تنظيم “هيئة تحرير الشام”. وزير الدفاع “مرهف أبو قصرة” على سبيل المثال، شغل سابقاً القائد العام للجناح العسكري للهيئة، في حين أن وزير الخارجية أسعد شيباني كان رئيساً لإدارة الشؤون السياسية وسابقاً مسؤولاً إعلامياً في “جبهة النصرة”. أما رئيس الاستخبارات أنس خطاب، فكان مسؤول جهاز الأمن العام التابع للهيئة، وعمل مع تنظيم القاعدة في العراق بين عامي (2008 و2012).

وبالرغم أن هذه التعيينات أثارت العديد من التحفظات الداخلية في سوريا، فقد تمكن الشرع من تجاوزها، متسلحاً بذراع عسكري أشبه بالحرس الشخصي (العصائب الحمراء)، وبمقبولية إقليمية ودولية، عكستها زيارات الوفود الأجنبية إلى سوريا في الآونة الأخيرة.

زيارة الوفود الأجنبية عكست تقاطعاً لمصالح العديد من الأطراف الإقليمية والدولية المتضاربة، والتقت تركيا وقطر من جهة والسعودية والإمارات من جهة أخرى على إزاحة النظام السابق، مع المصلحة الأمريكية والإسرائيلية، في إيجاد نظام بديل في سوريا يشكل نقطة توازن في المشهد الإقليمي، لصالح محور التطبيع، بعد أن كانت سوريا في المحور الممانع حيال مثل هذه المشاريع.

سمح التحول السياسي في سوريا لمحور التطبيع بالتقدم، وهذا ما تشير إليه تقارير إعلامية إسرائيلية. ويترافق ذلك مع الحديث عن أن انضمام السعودية إلى “اتفاقيات إبراهام” بات في مراحل متقدمة، خاصةً بعد وصول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.

رفع العقوبات.. معضلة الإدارة الحالية

الجولاني الذي ظهر وهو يتكلم بلغة تتماشى مع مصالح الغرب، يبدو أنه وقع في فخ التنازلات السياسية أمام الغرب، في محاولة منه لرفع سوريا عن قائمة العقوبات الأمريكية. فهذه العقوبات فُرضت على النظام السابق بسبب المواقف الإقليمية، ولم تكن بسبب الأحداث التي جرت بعد عام (2011). وتضغط واشنطن حالياً لانتزاع تنازلات من الإدارة السياسية الجديدة تتعلق بالقضية الفلسطينية، والعلاقة مع فصائل المقاومة، بالإضافة إلى تمرير مشاريع اقتصادية غربية في سوريا.

وتجلت هذه التنازلات بالصمت الذي يسود في دمشق حول مجريات معركة “طوفان الأقصى” وما يجري في الضفة الغربية وعلاقتها بالقدس المحتلة. فبالتزامن مع سعي الشرع إلى جعل سوريا دولة “غير مهدِّدة لأي دولة في الإقليم”، تحدث وزير خارجيته أسعد الشيباني عن دور لسوريا في إرساء السلام في المنطقة التي تتميز بحسب الرجل بـ “إرث مثقل بالنزاعات”.

طرحت تصريحات الجولاني والشيباني علامات استفهام كبرى عن موقف “سوريا الجديدة” من القضية الفلسطينية. فهل تقدم هذه الإدارة في دمشق تنازلات لمحور التطبيع مقابل رفع العقوبات؟

سؤال قد لا نجد عليه جواباً في المدى المنظور، لا سيما وأن المنطقة تعج بالتحولات السريعة، وسوريا في قلب هذه التحولات. وإذا ما استثنينا التنافس الدولي حول الحصول على ممرات في هذه المنطقة (طريق الحرير الصيني والممر الهندي)، فإن سوريا هي الأخرى تشهد تنافساً اقتصادياً كبيراً بين الشركات الاستثمارية مختلفة التوجهات والمآرب، بين تلك الممولة سعودياً أو تلك التركية، وبين هذا وذاك دول غربية تتسابق لإيجاد موطئ قدم لها في سوريا من البوابة الاقتصادية والاستثمارية.

وفي هذا المجال، فتحت سوريا أبوابها للاستثمارات الأجنبية التي قد لا تأتي قريباً أيضاً إلا بعد تنازلات سياسية. وما تحول سوريا نحو “اقتصاد السوق” إلا خطوة في طريق جلب هذه الاستثمارات.

ويبدو أن الحكم الجديد في سوريا ماضٍ في هذه السياسة الاقتصادية التي قد تجلب تقلبات معيشية للشعب السوري، خاصةً وأن تجارب التحول من الاقتصاد الاشتراكي إلى الرأسمالي المفتوح من دون دراسة متأنية وخطوات مرحلية قد تؤدي إلى انهيار في شتى المجالات. ولعل تجربة تشيلي في السبعينيات من القرن الماضي مثال واضح، ولعل السلطة الجديدة في دمشق لم تسمع بـ “عقيدة الصدمة” وكيف تستغل الرأسمالية معاناة الشعوب..

المصدر: موقع المنار

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق